دكتور احمد ضياء الدين
المنيا بين الواقع والمأمول
تحتل محافظة المنيا مكانة متميزة بين كافة محافظات القطر وليست محافظات الوجه القبلي فحسب , وذلك وفقاً لما توجبه المعايير الموضوعية المجردة , واستجابة لما تجليه الضوابط العلمية الواجبة . ولعل ذلك هو السبب الحقيقي لوصف محافظة المنيا منذ زمن بعيد بعروس الصعيد ليست انطلاقاً من المشاعر الوجدانية لدى مواطنيها , ومحبيها , وانما اعتماداعلى ما تحظى به المحافظة من مقومات , ومعطيات أفرزت ذلك الوصف , وفرضت احترامه من الكافة . وهو بذاته السبب الذي سبق وأن دعانا الى تجديد ذلك الوصف , واعادة النظر فيه ابان تولينا شرف المسئولية , لتصبح المنيا ــ وبحق ــ وفقاً لتلك الرؤية الموضوعية هى ملكة الصعيد , وليست مجرد عروسه .
ولقد فرض على ارتباطي بتلك المحافظة أن يستمر عقلي مشغولاً بها , وأن يدوم وجداني متعلقاً بشعبها , وأن يترسخ في نفسي الاهتمام بمشكلاتها . ولعل هذا ناجماً عن ايماني العميق بأن ما قضيته في شرف المسئولية عنها لم يكن نابعاً عن كوني موظفاً تم تعيينه لقضاء فترة بها , وإنما ناشئاً عن عقيدة مضمونها اننى قد أصبحت مسئولاً عنها , ونُلت شرف العمل باسمها , وارتبط اسمي بمسمى وجودها.
تلك كلها أفكار , ومشاعر , حتمت علىّ بين الحين والآخر , الانغماس بحكم المعايشة , والممارسة , فى مشكلات المحافظة , طارحاً على نفسي وعلى الكافة تساؤلاً هاماً عله يُفيد من يأتي بعدنا فى إمكان النهوض بأحوالها , والتصدي بحكمة , وجرأة , وموضوعية , لمشكلاتها . خاصة وأنه قد أتاحت لىّ بعض الظروف العائلية زيارة المحافظة لأداء واجب عائلي فى أحد مراكزها , وشعرت بمرارة , وكآبة لسلبيات عدة رغم عظم الجهد المبذول من السيد الزميل المحافظ الهُمام اللواء الوزير/ عصام البديوي الذي اعترف بصدقه , واشهد بإخلاصه , وأُقر بطهارته , وأعٌلي حماسه . ويتمثل بالطبع السؤال المطروح لماذا لا تنهض محافظة المنيا بالقدر المناسب لمقوماتها , ولا تنمو بالصورة الملائمة لإمكانياتها , وذلك بالرغم من تجارب أخرى لكيانات ,وولايات , وأقاليم , ودول أقل بكثير فى المقومات , والإمكانيات انطلقت إلى آفاق , وحققت انجازات. قد لا يمكن الإجابة على التساؤل المطروح إلا بضرورة إلقاء الضوء على محاور أربعة تتلخص فيما يلي :
- مقومات الإنماء.
- معوقات الانجاز .
- مسببات الإخفاق.
- ركائز الانطلاق.
وذلك على التفصيل التالي :
أولاً : مقومات الانماء :
يتوافر لدى محافظة المنيا بامتدادها الهائل شمالاً وجنوباً , وشرقاً , وغرباً , العديد من المقومات الطبيعية , والمزايا البشرية , والتنوعية الجغرافية , والعبقرية الموقعية , والتي لا تحتاج كلها أي جهد خارق لامكان توظيفها , والحصول من معطياتها على ايجابياتها , دون التوقف أمام سلبياتها . وتنحصر أهم تلك المقومات فيما يلي:
- الامتداد المساحي الهائل على ضفتي النيل العظيم من الشمال الى الجنوب وبطول قد يصل الى نحو مائة وستين كيلو متر تقريباً , لمجرى مائي , ملاحي , طبيعي تتوافر فيه كافة مقومات الشريان المائي الجدير باحترامه, وبإفراز العديد من ايجابياته التي قد يتطلع اليها.
- الاتساع الصحراوي , والتنوع الجغرافي , المُتسمان بالعبقرية , والثرواتية , واللذان هما بالتأكيد محل حسد دائم من العديد من المحافظات الأخرى التي تفتقر لهاتين الميزتين .
- الانبساط الأرضي , والتسطح التربي , للاراضي القابلة للاستزراع , والمغرية لامكان الاستفادة منها في أحداث ثورة زراعية تتوافر في المحافظة كافة معطيات توظيفها .
- الثراء المائي الجوفي أسفل تلك الاراضي , وسهولة الوصول الى مخزونها , دون عناء أو مشقة , خاصة وأن المياه الجوفية قد أصبحت ناطقة بوجودها مُدللة على رغبتها في الاستفادة منها بظهورها الدائم في العديد من قرى المحافظة , وذلك دون التوقف عن الاستفادة منها , والنظر الدائم اليها باعتبارها شر يتعين القضاء عليه , دون التفكير في امكان الاستفادة منه .
- الإنسطاع الشمسي الهائل طيلة ساعات النهار , وبصورة تقطع بطاقة حرارية متعاظمة تصلح بقدر بسيط من الإرادة , وحسن التوظيف للاستفادة منها في كافة مجالات الحياة للنهوض بها , وتعظيم العائد من ورائها - التسابق الرياحى فى التيار الهوائي , والذي أصبح يمثل مصدراً منافساً للطاقة المتجددة , وغير النمطية , والتى يمكن تعظيم قدر الاستفادة منها ليست للوفاء بمطلوبات الطاقة فى المحافظة فحسب , بل وفى امكان استثمار الزائد منها , وتصديره بقيمة مالية للشبكة القومية للطاقة الكهربائية .
- التعامد الطرقى المار بمراكز , ومدن المحافظة , ودور شبكة الطرق المتنامية فى خلق مراكز تجارية , واستثمارية , وترفيهية , تصلح لوضع خطة متكاملة لتحويل المحافظة الى عاصمة تجارية للقطر بأسره .
- الارتباط الطبيعي , والجغرافي , والتاريخي , والمنطقي بين صحارى المحافظة , وبين شواطئ البحر الاحمر عن طريق الممر البري الرابط بين الشيخ فضل ورأس غارب , وضرورة وضع خطة طموحة لخلق مطل بحرى للمحافظة على مياه البحر تساهم يقيناً فى خلق آفاق غير معروفة , أو نمطية , لأنشطة تجارية , واستثمارية غير مطروقة .
- الاستفادة الواجبة , والحتمية , والمُثرية للمحافظة ومصر بأسرها , من وجود مطار المنيا العسكري , والذي يلزم التوظيف الكامل والفوري لامكانياته لاستقبال رحلات الطيران المدني , ورحلات الشارتر, بدلاً من سلبية بقائه دون توظيف فى المجال المدنى سيساهم يقيناً حال التوجه لتنفيذه بايجابيات عظمى على دوري المطار العسكرية ,والمدنية لتنفيذه بايجابيات عظمى على دورى المطار العسكرية ,والمدنية على السواء.
- اعادة النظر العاجلة , والفورية , في خطة الاستفادة من امكانيات المناطق الصناعية , وتطهير أراضيها من جهود ووساطات الحصول عليها , وتسويرها , وتجميدها , والاستفادة من عائداتها بحيل التخارج بين المخصصة لهم , والراغبين في تشغيلها.
- وجوب الاستفادة العاجلة , والضرورية , والمُلحة , والحتمية , من شرياني النيل , وترعة الابراهيمية , وذلك بعد استحضار عدد من مركبات الأتوبيس النهري المُصنعة بمعرفة وزارة الانتاج الحربي بجهود المحافظة الذاتية , ومواردها المحلية , بعيداً عن تعقيدات الموازنة العامة , واستقلالاً عن تحكيمات الرؤية المعوقة لوزارة التنمية المحلية . الأمر الذي سيساهم يقيناً حال تنفيذه فى احداث طفرة غير مسبوقة , أو مصدقة , في مجال النقل والسياحة، والمرور.
- التسليم بعبقرية المواطن المنياوي باعتباره سليل الحضارة الفرعونية الشاهدة بأدلتها على تميز معدنه , وسمو مخبره , وصلابة تحمله , واتساع خبراته , وتنوع ثراءاته . وضرورة وضع خطة عاجلة لتوظيف براعمه , وشبابه , في كافة مجالات الحياة خاصة العلمية , والثقافية , والفنية , والرياضية , بعيداً أيضاً عن تحكمات الرؤية المركزية فى الوزارات الحكومية .
- إحداث طفرة انتاجية فى مجالات التميز التصنيعي المنياوي لانتاج الجبن الابيض , والعسل الاسود , وعسل النحل , والسجاد , والكليم , والآثار التاريخية , وغيرها من المجالات الأخرى التي أهُملت رغم تميزها , ونمائها .
- وضع خطة محلية , وليست مركزية , لتحسين حال المزارات الدينية والتاريخية , والتي يصاب الزائر لها بمرارة , واحباط , ولسوء حالتها , ومشقة الوصول اليها , واهدار قيمتها , وتشويه مكانتها. وذلك بالرغم مما تعينه تلك المزارات بين أهمية بالغة للسياحة الداخلية والدولية على السواء . خاصة وأن الانتظار بورود الخطة المأمولة بتمويلاتها المركزية هو محض خيال، وزيف وهراء.
تلك أهم ركائز مقومات الإنماء التى تتطلب جهدا دءوبا لتوظيفها، شريطة أن يتم ذلك برؤية محلية، وتمويلات ذاتية، يمكن أن تكون محلا للمفاجأة والإبهار للوزراء المركزيين، والذين يسعدون بها باعتبارها حال تحققها ترسخ من فرص استمرار وجود كل منهم فى حقيبته الوزارية.
ثانيا: معوقات الإنجاز:
يطرح التساؤل نفسه دوما على فكر كل محب، ويحتل اهتمام كل غيور، ويقلق راحة كل متطلع، بسبب ما ينطوى عليه ذلك التساؤل المطروح والمتضمن كيف برغم كافة تلك المقاومات لا تتوالى الإنجازات بالصورة الواجبة، والمأمولة، وتنتقل الحياة بها داخل كل شبر فى مراكز، ومدن، وقرى، ونجوع المحافظة بطريقة غير مرصودة أو مبشرة أو حتى ملموسة. ويلزم للوقوف على أهم معوقات تحقيق ذلك ضرورة مدارسة أهمها على النحو التالى:
- رسوخ أقدام موظفى الإدارة المحلية بمستوياتهم المختلفة من الدنيا إلى العليا، وتوارثهم فى أداء مطلوبات وظيفة كل منهم بشكل نمطى، وتقليدى، وروتينى، لا يتطلب لاستمرار التواجد فى أي من تلك الوظائف تحقيق أي قدرا من الإنجاز أو الإبداع. الأمر الذى يصيب تلك الوظائف بقدر من الشلل، والجمود، اللذان يستحيل معهما القفز على واقعهما، أو تغافل وجود أثارهما.
- النظرة السيئة الدائمة، والمستمرة، لوظيفة المحافظ، والذى يتم دوما اختياره من خارج أبناء المحافظة لاستحالة قبول فكرة اختياره من بينهم. الأمر الذى يجعله دائما فى غربة لدى غالبية المتعاملين معه، وفى عزلة من قبل المتعاونين معه، وشعور باعتباره غير مدرك لمشكلات المحافظة، وهمومها. ومن ثم يتعاظم فى كل يوم قدر المناداة بضرورة تغييره، ولزوم الانصياع لتلك الرغبة، توقيا لمردودات عدم الاستجابة، والانصراف عن احتوائها.
- قصر مدة عمل المحافظ أمام جسامة المشكلات التى تستوجب لمواجهتها، وتنفيذ الحلول اللازمة لها مدد أطول يتحقق بقدرها الإنجاز المأمول لها. ومن ثم التعجيل الدائم بالتغيير باعتبار أن ذلك هو الأسلوب الأمثل للتعلل فى تأخر حل المشكلات، وضرورة العمل على إنجاز حلولها.
- اعتماد معايير اختيار المحافظين على الكفاءة الإدارية فى مجالات عمل كل منهم قبيل اختياره كمحافظ، وذلك بالرغم من الفارق الهائل، والشاسع، بين مطلوبات العمل التنفيذى أو الإدارى فى مجال كل وزارة على حده، وبين موجبات العمل المحلى فى نطاق وظيفة المحافظ الذى يٌعد- وبحق- رئيسا لجمهورية محافظته.
- انعدام الموارد، والإمكانيات، والوسائل، والأدوات، التى تتيحها الوزارات المركزية للمحافظات المحلية، ووجود قدر هائل من التعويق الإدارى، والتحكم الوزارى، والتعالى الحكومى، والانشغال اليومى بين وزراء الحكومة من ناحية، والمحافظين من ناحية أخرى. الأمر الذى يضع المحافظ دائما فى بؤرة السخط الجماهيرى المقصود والموجه إزاء مشكلات متراكمة يلزم للتصدى لها ووضع الحلول المناسبة لمواجهتها، ورود خططها من الحكومة المركزية، والتى تركز اهتماماتها فى العاصمة والمنطقة المركزية. الأمر الذى يعجل من ضرورة تغيير المحافظ، والإتيان ببديله، وليتوالى بعدهما التقصير والإهمال، وتعاظم الشكوى من فشل الإدارة المحلية رغم يقين الكافة بحقيقة أسبابها.
- حرص الأجهزة المختصة، والرقابية، على رصد أخطاء المحافظ، وتجسيم اجتراءاته، وتضخيم حماساته، للتدليل بها على فاعلية القيام بدورها فى نطاق المحافظة، ولاستحالة إمكان التحول إلى رصد الحكومة المركزية باعتبارها، ووزرائها خارج نطاق الإدارات الفرعية لتلك الأجهزة فى كيانها الإقليمى.
- التصادم الصارع فى المصالح بين مطلوبات المصلحة العامة، وإلحاحات المصالح الشخصية، خاصة فى عقيدة بعض الشخصيات ذات العراقة الأٌسرية، أو الفعالية التنفيذية أو الأهمية الوظيفية، أو السطوة الإعلامية، أو المكانة الحزبية. الأمر الذى يساهم فى خلق حوارات غالبا ما تنتهى لدى المحافظين المخلصين، والواعين، إلى تفضيل المصلحة العامة يقينا على ما عداها من أوجه المصلحة الأخرى. ومن ثم إصابة أشخاص عدة بحالة من السعار، والتصعيد، للسعى العاجل والحتمى برحيل المحافظ الحالى طالما قد كشر عن أنيابه، ورفض مطلوبات تلك الأشخاص سواء بالتعيين بوظائف لذويهم، أو الاستيلاء على أراضى الدولة، أو خلق مواقف استعلائية، أو الحرص على ترسيخ الوساطة والمحسوبية. وهى حالة حتما ستنتهى بانتصار أصحاب تلك الأصوات طالما جاهروا بأنهم أصحاب تلك المحافظة، المسئولين عنها، المعبرين عن مصالح أهلها، رغم وهم ذلك، وسراب وجوده.
- الإفرازات السلبية والنتائج الشاذة لأحداث 25 يناير 2011، والتى نجحت فى وضع الكافة من المسئولين أمام اختيارين أحلاهما أشد مرارة من الأخر. وأولهما هو اختيار السلبية فى الأداء مع ضمان الأمان، وثانيهما هو اختيار الإيجابية مع ما تحققه من تداعيات، ومساءلات، وفورات، قد تنتهى إلى المساءلة بل والمحاكمة. الأمر الذى أصبح من حيث الأثرة، والأنانية، وحب الذات، يفرض اختيار البديل الأول على كافة مغريات البديل الثانى، طالما أن الاختيار الأول سيضمن البقاء فى الوظيفة ولو لعدة شهور قليلة هى أفضل يقينا من المساءلة والمحاكمة، حتى ولو أسفر ذلك فى النهاية على إجراءات هى زوبعة بلا فنجان.
- التكاتف من قبل الانتهازيين، والناهبين، والمتسلقين، على تعظيم قدر الرفض لأى حل غير نمطى لكافة مشكلات المحافظة، طالما أن تلك الحلول لم ترتبط باسم أي منهم أو تنال بأى قدر من مصالحه، أو تهدد بأى شكل لمكانته. الأمر الذى يخلق فى النهاية حالة من الاستياء يفضل معها عدم التوجه بإخلاص لحل أية مشكلة، أو تأييد أى إنجاز.
- الحرص المميت على استمرار استغلال موارد المحافظة، وإمكانياتها بوسائل غير قانونية خشية ما قد ينجم حيال التصدى لتلك الموارد، وإعادة توظيفها لصالح الكافة من افتضاح حال السابقين من الموظفين، والناهبين، ومراكز القوى الراقدة على ثروات المحافظة.
- الخلط الدائم، وغير القانونى، بين الموارد المركزية، والموارد المحلية، الناجمة عن حسن استغلال امكانيات المحافظة، والميل بالطبع إلى توسيع نطاق الموارد المركزية على حساب الموارد المحلية. الأمر الذى يستحيل معه إمكان الوفاء لمطلوبات التنمية المحلية الواجبة داخل ربوع المحافظة وقراها.
- انتشار الكيانات الاجتماعية والجمعيات الوهمية، العاملة فى الخفاء، أو المتسترة وراء مسميات سرابية، وذلك للاستفادة من شهرها، ورئاساتها فى الحصول على موارد خارجية تساهم بقدر هائل، وفعال، فى تنفيذ أجندات، ومخططات، معادية لنظام الحكم، وضد صالح البلاد. الأمر الذى يستحيل معه إمكان توظيف إمكانيات تلك الكيانات لصالح المحافظة، ومواطنيها.
- الاستجابة المغلوطة وغير المشروعة، والفاسدة للمطلوبات العرقية الأسرية بين موظفى المحليات من ناحية ومطلوبات تلك الروابط مع المخالفين، والناهبين، والفاسدين، والمفسدين من ناحية أخرى. الأمر الذى يقطع بسوء منهج عمل موظفى غالبية الأجهزة سواء المركزية أو المحلية فى نطاق المحافظة كقاعدة عامة.
- رفض الوزراء المركزيين بصفة دائمة لأى إنجاز محلى طالما لم يتم نسبته للوزير المسئول أو لم يتم إدراجه ضمن خطة وزارته لينال فى النهاية شرف الإعلان عنه، والتشدق بإتمامه، رغم كونه أبعد ما يكون عن تحمل أية أعباء أسفرت عن وجود ذلك الإنجاز أو أدت إلى إظهاره.
- سوء دور وكلاء الوزارات التابعين فنيا لوزرائهم، وإن بقيت تبعية كل منهم ظاهريا أو شكليا لمحافظ الإقليم. الأمر الذى يخلق العديد من المواقف المتناقضة لغالبية الوكلاء لحرصهم على إرضاء وزير كل منهم الحقيقى المالك لكل مقومات بقائه فى وظيفته، ومسايرة المحافظ فى أدائه اليومى خشية ما قد يسببه ذلك من مسالب قد تنال من استمرار وجوده فى محافظته.
تلك أيضا أهم المعوقات التى تٌفرغ المقومات من أسباب فعاليتها، وتحول دون نجاحها فى إتمام إنجازاتها.
ثالثا: مسببات الإخفاق:
وتنحصر أهم مسببات الإخفاق فى الأداء المحلى بصفة عامة- بجانب ما سبق بيانه من معوقات الإنجاز- فيما يلى:
- حرص غالبية المحافظين، والقيادات، على عدم استكمال ما تم البدء فى إنجازه، بل والسعى المجاهر به على توقيف كل ما تم الشروع فيه. طالما أن اكتماله لن ينسب فى النهاية للقائم على إنهائه. الأمر الذى يحبس دوما المشكلات فى إطار فى التجميد الغير القادر على تخطى تلك المشكلات، والقفز منها للتصدى لحل غيرها
- استمرار وجود غالبية قيادات، وموظفى الحكم المحلى، فى مواقعهم رغم توالى تغيير المحافظين عليهم. ومن ثم نجاح كل منهم فى استمرار فرضه لمنهج النمطية، والسلبية، والوساطة، والمحسوبية، ليقينه من أن المحافظ الجديد لن يدون وجوده إلا لأيام قليلة قادمة تنتصر بعدها عقيدته، وعقيدة أقرانه، من أن المجاملة المحلية أفضل بكثير من المواجهة القانونية
- انعدام وجود المعلومات الحقيقية والصحيحة، والمدققة، والمتكاملة، عن كافة أوجه الحياة، ومصادرها، ووسائلها، داخل كافة مراكز ومدن، وقرى المحافظة. الأمر الذى يصيب القرار الإدارى بقدر من العشوائية، وعدم إمكان الوصول به إلى حد الرشد المأمول.
- غياب عنصر المتابعة الفعالة لكافة عناصر، ومكونات العمل التنفيذى اليومى، واقتصار الأمر فى كافة المستويات على الانشغال المكتبى الناسف لحقيقة الإلمام الواعى لمظاهر التواكلية، والسلبية، والإهمال، والتقصير، فى الأداء اليومى. وذلك كله بسبب التركيز المتزايد على التقارير الكتابية التى لا تصلح دوما كأساس لحسن إحاطة صانع القرار بمعطيات، ومطلوبات القرار الرشيد.
- المبالغة غير المدروسة، والمتشنجة، والعشوائية، فى حساب تبعات أي قرار من قبل أى مستوى قيادى خاصة من جانب محافظ الإقليم، لاهتمامه المبالغ فيه باستطلاع الرأى حيال كل قرار قد يفكر فيه، أو يقدم عليه، أو يشرع فى تنفيذه. الأمر الذى يصيبه فى النهاية بقدر من الارتعاش والتخوف من اتخاذ القرار، وإيثار السلبية على الإيجابية.
- تسليم الأمر فى العديد من الحالات لمستويات رئاسية أدنى من المحافظ، وذلك بزعم الرغبة فى التركيز على الموضوعات الأكثر أهمية، وذلك بالرغم مما يقطع به ذلك المنهج من فتح الباب أمام المحسوبية والوساطة، واتخاذ قرارات هى ابعد ما تكون عن حسن الاحاطة بالمعطيات اللازمة لنجاحها ورشدها
- عدم الاهتمام بوجوب ربط التوجيهات والرؤي، والقرارات بمهلة زمنية محددة يتعين التزام الكافة بالتنفيذ خلالها. الأمر الذى يغرى بالتهام النسيان لها، وذلك فى زحمة التداعيات، والأحداث اليومية. ومن ثم ضياع الأمل فى الإنجاز، وشيوع الإخفاق كبديل للتطلع لهذا الإنجاز.
- المبالغة فى حساب شرور الغول الإعلامى المسيطر فى تلك الأونة وبسهولة ويسر على حركة الأحداث اليومية. ومن ثم الانصياع لمخاوف تلك الشرور، والحرص على الابتعاد، عنها والتفنن فى تجنب مضمونها، أو مبادراتها. الأمر الذى ينجح فى النهاية للمباعدة بين القرار الإدارى والتنفيذى، سواء كان مركزى أو محلى، وبين تحقيقه للمصلحة العامة. خاصة في ظل تحكمات إعلامية سواء مؤهلة أو غير مؤهلة أصبحت تجاهد فى فتح نيران الانتقاد متباهية لما تحققه من جراء ذلك من إنجاز تتوهم فى حسابه لمصلحتها.
- انشغال النخبة، والصفوة، والشباب،والمتحمسين فى أمورهم الحياتية، وعدم توافر الجلّد والمثابرة لدى أيا منهم بسبب لما يتطلبه ذلك من جهد يثنيه فى النهاية عن الاهتمام بحياته اليومية. فضلا عن تسرب المرارة بشكل متعاظم إلى نفوس كل منهم وتسبب ذلك فى خلق شعور بلا فائدة، وبانعدام الأمل رغم عدم صدق ذلك، وباعتبار أن النصرة دائما للعدل، والحق، والفضيلة، والقيم السامية.
- الحرص الدائم والمستميت، والأبدي على توريث المزايا، والمناصب، والمكانات، والاهتمامات، والنفوذ، وذلك لضمان الاستمتاع بذات العوائد الكفيلة بديمومة مسيرة الحياة بشكلها المسرى لأصحاب تلك الرؤى. الأمر الذى يغلق الباب بقوة واقتدار أمام أى فئات أخرى متطلعة- وبحق- إلى إحداث أى تغيير أو إصلاح، ومن ثم انزوائها على نفسها طالما تواجه بحدة وشراسة من قبل أصحاب ذلك النفوذ والسلطان.
- التفنن الهائل فى خلط الأوراق، وطمس الحقائق، وتشويه الثوابت، لضمان ترهيب الجادين، والمخلصين من الاستمرار فى خططهم لاصلاح مسيرة الحياة فى المحافظة. طالما أن أيا من تلك الخطط ستنال يقينا من مصالح الفاسدين، والمفسدين. ويتخذ ذلك الخلط مظاهر عدة اهمها خلط السياسة بالدين، وخلط النزاهة بالفساد، وخلط النهب بالحرص على المصلحة العامة.
- شيوع منهج غسيل الأشخاص واستحداثه على ساحة العمل السياسى، والتنفيذى، ليست على مستوى المحافظة فحسب وانما على مستوى الوطن بأسره وذلك بتعمد تغيير شكل العباءة، والاهتمام بما يناسب فى النهاية كل وقت ومرحلة، ويلاءم كل أوان. ومن ثم يصبح المرء صالحا لكل زمان بل ويعتبر نفسه- بل وقد يعتبره الآخرون هو رجل تلك المرحلة الجديدة، ورجل كل عصر ومرحلة قادمة- رغم وهن ذلك، وزيف ما يدعيه، وحقيقة ما يشوب سلوكه وماضيه.
- ضياع عنصر الالتزام فى الحياة العامة، وخاصة المحلية، والابتداع الدائم لحجج واهية تهدف فى النهاية إلى الالتفاف على القانون والتحايل على ضوابطه، وتغييب أثاره، وتعطيل جزاءاته. وذلك من خلال عدد من الإجراءات والتى تفرغ القانون من مضمونه، وتتباهى فى طمس معالمه، وتبدع فى الاستثناء من أحكامه. وذلك كله لصالح الفاسدين والمفسدين، والناهبين، والانتهازيين، والمتسلقين، والمتربحين.
- الحرص الدائم والمستمر على فتح ملفات الفساد فى صفحاتها الأخيرة، دون الإصرار على تتبع صفحات الفساد من أول سطورها. الأمر الذى يعظم من قدر الشعور بالمراراة، والإحباط، نتيجة لضخامة ما آل إليه قدر الفساد فى تلك الصفحات الأخيرة، وبروز تساؤل مذرى مفاده أين كان الكافة طيلة عمر نشأة تلك الصفحات الأولى المنسية، أو المتعمد تجاوزها، فى ملفات الفساد.
تلك أيضا رؤية مختصرة لمسببات الإخفاق الدائم، والمتوالى، فى كافة عناصر العمل المحلى، ليست على مستوى محافظة المنيا فحسب وانما على مستوى القطر بأسره.
ركائز الانطلاق:
ولعل ذلك كله يفرض علينا ضرورة إلقاء بعض الضوء على ما يلزم التركيز عليه كأسس للانطلاق، وأسباب للارتقاء، وموجبات للتطوير والإنماء. ويمكن حصر أهم تلك الركائز فيما يلى:
- البدء فى تنفيذ مشروعات تنموية محلية بعيدا عن الرؤية المركزية التى قد يستطيل أمد انتظارها بسبب العديد من المعوقات التمويلية، أو السلبيات الحكومية، مثل البدء فى تنفيذ مشروع خلق مطل بحرى للمحافظة على شاطئ البحر الأحمر، وتصنيع أكثر من مائة مركب صيد بواسطة وزارة الإنتاج الحربى، ليكون كل منها بمثابة مصنع مصغر للاستفادة من حصيلة الصيد البحرية لكل مركب من ذلك الأسطول. فضلا عن البدء فى إنشاء مصنع عاجل لكربونات الكالسيوم بهدف التصدير وذلك بعد استكمال المنفذين البحرى والجوي، للاستفادة من إمكانياتهما فى مجال التصدير.
- البدء على الفور فى أحداث الطفرة الواجبة فى مجال محو الأمية بعد تعمد تجميد انجازاته التى أهلت المحافظة إبان توالينا شرف المسئولية لنيل جائزة منظمة اليونسكو فى مجال محو الأمية، وذلك للاستفادة من عائدات التعليم فى مجالات الحياة اليومية الإنمائية.
- إبرام بروتوكول تعاون مع وزارة الإنتاج الحربي لمد المحافظة بمكونات الاستفادة من الطاقة الشمسية فى مجالات الإضاءة، والاستزراع، والصناعة، والسياحة، والتعليم، وغيرها من المجالات الأخرى.
- تعظيم دور المتابعة اليومية لكافة مجالات العمل التنفيذية من خلال نخبة من الشباب المتحمسين لرصد المخالفات، والسلبيات، والإهمالات، والتقصيرات. خاصة فى مجالات التعليم، والصحة، والسياحة، والطرق، والمرور، والتموين، والبيئة والنظافة، واتخاذ القرارات اليومية اللازمة للحسم فى مواجهتها.
- تعظيم قدر الاهتمام بالمرأة، والفتاة لما لهما من دور هائل فى مجال حسن التربية، والتنشئة الأسرية، والابتعاد من خلالهما عن أسباب التفكك الأسرى الناجم عن الطلاق المستشرى فى تلك المرحلة لأسباب عدة.
- الاهتمام الموضوعى بالإعلام الرشيد، والقائم على حسن مواجهة الشائعات، والترديدات والأكاذيب، والتسلطات، والمحسوبيات. وذلك للوصول من خلال الخطة الإعلامية الهادفة الى النأي بالوطن بأسره من مزالق الزلل وبؤر الانحراف وهوات الضلال، وسقطات الفتن، ومخططات الأعداء
- وضع الإطار القانونى الكفيل لإمكان تكوين كيانات اقتصادية محلية ذات رؤى عامة، وبرؤوس أموال خاصة، مع وضع كافة الضوابط والضمانات الكفيلة بحيدتها، ونزاهتها، وشفافيتها، ووطنيتها، ومصداقيتها.
- اعادة النظر فى معايير اختيار القيادات المحلية، وضرورة الابتعاد بها عن مرادات أهل المركز، أو المدينة، أو القرية، أو محاولات التفضيل الغير موضوعية، لما ينجم عن ذلك فى النهاية من صفقات واتفاقات ومجاملات تباعد بين القيادة المحلية وبين المصلحة العامة.
- ضرورة اعادة النظر فى اختيار الكوادر الرقابية والامنية من ابناء المحافظة لما لذلك فى النهاية من تداعيات ومردودات سلبية تضحى فى جملتها بالمصلحة العامة المنشودة.
- ضرورة حرص المؤسسات الاعلامية على عدم اثراء فروعها ومكاتبها بالكوادر الاعلامية من ابناء المحافظة، لما لذلك من مردود سيء على تبنى المشكلات، والتحمس للقضايا الخاصة بتلك المحافظة، وبصورة ترسخ فى النهاية من تغول مراكز القوي فى المجالات المختلفة، وتباعد بينها وبين ما توجبه الرؤية الموضوعية الهادفة لإعلاء المصلحة العامة على كل ما عداها من مصالح أخرى.
- الإسراع فى إصدار قانون تنظيم الادارة المحلية الجديد، وتنقيته من كافة الأسباب المؤدية لتلك السلبيات، والمحققة لتلك الإخفاقات والمسببة لاستمرار التوارثات. خاصة فى ظل ما يتطلع إليه الكافة من دور مأمول للمحليات فى المرحلة القادمة.
- وضع الجديد من معايير الاختيار للمحافظين كبديل لتفوقهم، أو تميزهم فى مجال العمل التنفيذي الناشئ فيه، والظاهر من خلاله، والمتميز عن طريقه. وذلك بوضع برنامج حقيقى لاختبار القدرة على مواجهة المشكلات، وحل الأزمات، بدلا من ذلك الاختيار القائم على البريق الوظيفى. وضرورة البدء فى مسألة كل من ساهم فى اختيار ثبت عدم توفيق صاحبه فى اداء مطلوبات العمل المرشح لاتمامه.
- تلك اهم ما يمكن ان اتوجه به فى رؤية شخصية قد أكون مخطئا فيها أو مصيبا تجاه المنيا بصفة خاصة للانتقال بها من الواقع الى المأمول
للدكتور احمد ضياء الدين
المحافظ الاسبق
0 التعليقات:
إرسال تعليق